الأحد، 25 أبريل 2010

محمد سيد حاج......من مدارج السالكين إلى دموع المحبين


انهى الشيخ الجليل محمد سيد حاج، حياة طيبة، حسنة، عامرة بالدعوة والتعليم والتربية، أحبه الناس، كل الناس، الصغير والكبير، الغني والفقير، وبكوه ودعوا له، واسترجعوا وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون.
شيخنا الفقيد الجليل، من مواليد السبعينات، فهو ليس بالمتقدم في العمر، ولهذا عول عليه الكثيرون في ان يكون له دور عظيم في مستقبل الأيام، لما يتميز به من علم، وذاكرة متقدة، ومقدرة على الخطابة والتأثير فأحس الجميع بفداحة الخطب وعظم الفقد وعزى الناس بعضهم بعضا بقلوب منفطرة، واعين دامعة.
أجتمعت لفقيدنا الحبيب جملة من الخصال حببت الناس فيه، من اعظمها انه قد اوتي خصلة التواضع، وخفض الجناح، فهو يعامل الغفير والمدير سواء، وعاملة النظافة ومدير المستشفى سواء، والجندي والعميد سواء. كما أنه يلامس تفاصيل حياة غمار الناس ومشاكلهم في محاضراته وندواته وخطب الجمعة في مسجده الحافل بناحية الصافية والتي تجمع الناس من أنحاء عدة ليستفيدوا من حديثه وعلمه بأسلوبه المميز.
وقد يسر الله لي أن أكون قريبا منه في بعض الأيام، من العام 2003، وكنت أعمل حينها في تشييد مستشفى الواحة، وكان له درس أسبوعي في مصلى صندوق إعانة المرضى المجاور، ففشهدت كيف أنه يعامل الجميع وكأن له معرفة مسبقة بهم فأزداد تقديري له. ومر أن بعض كتاب الصحف هاجموا فتوى مجموعة من العلماء بتكفير الحزب الشيوعي، فعرضت على شيخنا الفاضل مقالة كتبتها في الرد على هؤلاء الكتاب؛ فقرأها باهتمام واستحسنها وأضاف عليها بعض الإضافات فوضعتها فيها، ثم نشرت في صحيفة الحياة، واستفادت صحيفة الحياة من هذا المقال فجعلت ما ورد فيه محورا للقاء أجرته الصحيفة مع الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي، ضاق به الشيوعيون ذرعا لما بان به من عوراتهم وسؤاتهم الفكرية والسلوكية.
تميز محمد سيد - رحمه الله - بأنه جمع بين التعليم والتربية، فقد اهتم بتدريس كتب إمام التربية، وشيخ التزكية، الإمام إبن قيم الجوزية، فدرس بصورة مستمرة كتاب الداء والدواء، والمعروف أيضا بإسم : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، بقاعة عبيد ختم بجامعة الخرطوم؛وهو بلا شك اختيار مصيب لكتاب أحوج ما يكون له الطلاب في المرحلة الجامعية. كما اشتهر درسه الرائع في شرح كتاب مدارج السالكين، ونفع الله به خلقا جما. وعلى وجه العموم فقد تميز جميع إنتاج شيخنا بنفس وروح كتابات إبن القيم التربوية، ولذا فإنه يمكن القول بأن مدرسته كانت ذات بصمة خاصة في دائرة الدعوة السلفية (أنصار السنة المحمدية) والتي ينتمي إليها شيخنا الفقيد بمزجه بين التزكية والتربية الروحية واستخدام مصطلحات خاصة في هذا الشأن كما فعل ابن القيم ، مزج كل هذا مع المسائل العقدية والتي اشتهرت بها الدعوة السلفية.
مما يحسن الإشارة إليه أن شيخنا الحبيب كان داعية مؤثرا ولكنه لم يكن متعصبا إلى اختياره التنظيمي، ولهذا تجده مطلعا على كتب الآخرين، ولا انس تلك الندوة التي قدمها في قاعة الشارقة مع الشيخ الكريم محمد الأمين إسماعيل، إبان فترتنا في الطلب بجامعة الخرطوم، فقال لي بعض الأخوة مشيرا إلى حديث الأخ محمد سيد، "لكأنه يقرأ من كتاب معالم في الطريق" وقد صدق فقد أخذ المعاني وصاغها بأسلوبه الجميل.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لشيخنا محمد سيد حاج مغفرة تامة، ويرحمه رحمة عامة، وأن يرفع منزلته في العليين، وأن يعظم أجره ولا يفتنا بعده، ويجمعنا به في جنات النعيم.