السبت، 24 يناير 2009

نقوش من قصة بنت السودان المسروقة......
أين بختك* يا بخيتة؟
نقش على الرخام....
إيطاليا، مدينة اسكيو، مقبرة الراهبات الكانوسيات، لوحة رخامية على قبر من القبور الكثيرة المتناثرة هنا وهناك، منقوش عليها:
" ماريا جوزفينا بخيتة، 1869- 1947 انتقلت من عبودية الناس إلى حرية أبناء الله، عاشت معموديتها إلى درجة الكمال بين بنات مادالينا كانوسا، مؤسسة رهبنة الكانوسيات، وحققت التطويبات الإنجيلية في تكريسها لله، إنها في ديار الطوباويين، تحرص على كنيسة أفريقيا الناشئة".
بخيتة؟!؟ ...نعم بخيتة! سودانية من دارفور، كتبت قصتها –والعهدة على الكنيسة- ووزعت في مطلع التسعينات، والكتاب المكتوب باللغة العربية يحوي 38 صفحة، يحكي قصتها وتنقلها من دارفور إلى الخرطوم إلى إيطاليا، يصور بشاعة تجار الرقيق الذين اختطفوا هذه الطفلة من بين أحضان أسرتها، سرقوها، وعذبوها وباعوها.
يقص الكتاب حكاية بخيتة الدارفورية أواخر سنوات الحكم التركي، قبيل قيام الثورة المهدية، والمآسي التي تعرضت لها بخيتة في طريقها من دارفور إلى الأبيض، حيث يعامل الرقيق أسوأ أنواع المعاملة، إلى أن وصلت إلى بيت رئيس مدينة الأبيض، ثم اشتراها قائد تركي، لتعامل معاملة "وحشية" قاسية لا تظهر فيها علامة للعطف ولا للرحمة، لا يتناولون إلا وجبتين، ولا ينامون إلا على الأرض!
وبعد ثلاثة صفحات من قصص المآسي في بيت القائد التركي تنتقل بخيتة إلى الخرطوم ليتم بيعها إلى القنصل الإيطالي، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة بخيتة، تقول هي عنها: " هذه المرة كنت بخيتة بأفضل المعاني إذ كان سيدي الجديد رجلا طيبا، وعاملني معاملة إنسانية لطيفة". ثم تنتقل معه إلى إيطاليا، وهناك تكون لها سيدة جديدة ، تدخلها إلى مدرسة طلاب المعمودية لتنال التعليم المسيحي الأساسي، تقول بخيتة عن هذه المدرسة: " وهناك عينوا لي إحدى الراهبات لتعتني بي وبالطفلة التي معي، فتعلمنا مبادئ الدين المسيحي، ولا أستطيع ألا أتذكر تلك الراهبة التي اسمها الأخت ماريا فبريتي دون أن أذرف دموعي لكل ما بذلت من اهتمام بي" ومن ثم عُمِّدت فتاة السودان في الديانة المسيحية وعمرها واحد وعشرون عاما، ثم صارت راهبة بعدها بسنوات ست، كأول فتاة "سوداء" دخلت رهبنة الكانوسيات. بعد ذلك بأعوام دخلت بخيتة دائرة الإعلام في إيطاليا، وصدر تأريخ حياتها في حلقات متتالية في إحدى المجلات، ثم بشكل كتاب عنوانه: "قصة عجيبة" فاشتهرت قصتها، ووقفت الراهبة السودانية على المسارح تحكي للناس عجائب هذه القصة. وظلت الراهبة السودانية تنتقل من كنيسة إلى دير، تخدم دينها الجديد، إلى أن انتقلت إلى الدار الآخرة، وآخر كلماتها: " إنني مبسوطة الآن...العذراء...." وذلك في عام 1947.
نقش على كف (المسيح)..!
لا شك أن الكنيسة العالمية طارت فرحا بهذا التحول الكبير في حياة بنت السودان، التي رسم لها عبر تجارة الرقيق مصيرا مختلفا عن قريناتها، وصارت بذلك رمزا عند الكنيسة للتحول المنشود لكل السودان، بل وكل إفريقيا؛ وكانت زيارة البابا في العاشر من فبراير 1993 تعبيرا عن هذه الفرحة التي لم تتناقص عبر العقود، يقول المطران قبريال زبير واكو، رئيس الأساقفة في الخرطوم، في كلمته المرحبة بزيارة البابا: "لقد جئتَ لتحتفل معنا بالعيد الأول على شرف الطوباوية بخيتة، تلك الأخت المتواضعة التي تركت أثرا كبيرا فينا جميعا. إن صمودها قد أدخل في حياة كل منا أملا جديدا وقوة متجددة. إننا نرحب بها في السودان لتبقى معنا رمزا للتحدي المستمر والإمتنان الحقيقي تجاه الرب وللأخ، التحدي الذي نواجهه بإستمرار في أدائنا لعملنا ومقابلتنا للعديد من المحتاجين والبائسين. إن انتمائها وروحها التبشيرية ستبقى معنا وتساعدنا في توسيع آفاقنا وتزودنا بطاقة جديدة لنشر المعرفة بالمسيح ورسالته للمحبة والسلام في هذا البلد الذي لا يعرف فيه المسيح جيدا". إذن فقد كانت بخيتة هي محور زيارة البابا، ولهذا فقد كانت كلمات البابا في الساحة الخضراء أمام الحشد المستمع والمحتفي بالزائر الكبير، مبشرة بهذا النموذج والذي يتطلع البابا أن يشمل كل القارة الإفريقية، يقول البابا: " إبتهجي يا أفريقيا، لأن بخيتة قد عادت لك اليوم، إبنة السودان التي بيعت رقيقا مثل سلعة تجارية حية، لكنها ظلت حرة مثل القديسين. الطوباوية جوزيفينة عادت إليك اليوم تحمل رسالة الإله الأب ورحمته اللامتناهية. إن البعض يظن أحيانا أن الرب تركنا، إلا أن الله يجيب على لسان نبيه العظيم (أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها؟ حتى ولو نسيت النساء فأنا لن أنساك، هاأنذا على كفي قد نقشتك) (اشعبا 49 :15-16) نعم على كفي المسيح اللتين اخترقتهما المسامير، إسم كل واحد منكم منقوش على هاتين الكفين....إني أسال الله أن يبارك أسركم بشفاعة الطوباوية بخيتة".
نقش على العقول والقلوب....
هذه القصة المحزنة لبنت دارفور الحبيبة، تبعث بها الكنيسة العديد من الرسائل، كخطاب يبشر بالمسيحية وينفر من الإسلام، مستخدمة أساليب متعددة لتوصيل هذه الرسائل، تحاول الكنيسة من خلال هذه الرسائل أن تنقش على القلوب بإزميل العاطفة التي تنداح مع مأساة بخيتة، ومن ثم يسهل أن تتسلل إلى العقول المفاهيم النصرانية، ونستقرئ فيما يلي بعض هذه النقوشات:
· (المسيحية) دين الفطرة!
يقول الكتاب: (وإذا رغبنا أن نكتشف أعماق بخيتة لنتعرف بفطرتها، لوجدنا أنها مسيحية في طبيعتها منذ نعومة أظفارها، وقبل أن تطلع على مبادئ الدين المسيحي. لقد كانت تنظر إلى جمال المخلوقات التي حولها – الزهور والطيور ...الخ وتتساءل: فمن هو سيد هذه الأشياء) انتهى النقل. ونقول: كيف للبنت التي نشأت من أب وأم مسلمين، ولم تسمع صوت جرس الكنيسة، وإنما تتبعت بأذنها صوت الأذان، وضحك أهلها وهي تحاول محاكاته، ولكم رأت أباها وأمها وساجدين وراكعين فقلدتهم في صلاتهم، ولربما لعبت بلوح أخيها بعد حضوره من الخلوة، وجلست في حجر جدتها وهي تجلس في المصلاة ترفع كفيها بالدعاء، كيف لها، وبكل بساطة، ولأنها تتفكر في جمال المخلوقات، وتتساءل عن خالقها ان تكون مسيحية في طبيعتها ! سبحانك ربي!، وهل كل من يتفكر في جمال المخلوقات ويتساءل عن خالقها في الصغر، يكون مسيحيا بفطرته؟ إنه تخليط واضح، وسوق لمقدمات لا تؤدي للنتائج المستنبطة، بما لا يدع مجالا للشك بأنه تدليس مقصود.
· الإسلام المتوحش!
وجاء على لسان بخيتة: (كانت ابنة اللواء التركي تستمع إلى حديثي فأمرت بأن يضعوا سلسلة من حديد حول قدمي خشية من أن أحاول الهرب من ذلك البيت أيضا. وحملت تلك السلسلة لمدة شهر أو أكثر فرفعوها بمناسبة أحد الأعياد الإسلامية الكبرى، إذ كان على المسلمين أن يفكوا القيود من عبيدهم) انتهى النقل. والرسالة المسمومة التي يبعثها النص تقرأ في العبارة الأخيرة (إذ كان على المسلمين أن يفكوا القيود عن عبيدهم) إذ يوحي بأن جميع تلك الافاعيل التي حدثت، لا تتناقض مع الإسلام، والدليل أن المسلمين ملتزمين بتوجيهات الإسلام الذي أحسن إلى العبيد وفك قيودهم في العيد! إنها رسالة تطعن في الإسلام؛ وتصوره كدين متوحش يقر سرقة الأفراد وبيعهم ثم تعذيبهم، ولا يرحمهم إلا في الأعياد. ونؤكد هنا على الحقيقة المتمثلة في تاكيد الإسلام على شناعةالجرم الخطير، والإثم العظيم الذي يقع على من يسرق الناس والاطفال ، كما أبان الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : "قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" رواه البخاري. إنها ليست من المسائل التي ينافق فيها المسلم (المجتمع الدولي) برأي أو قول خلاف ما يبطنه، ولكنها مسالة مصيرية للمسلم، بكونها تجعل الفرد محاربا وخصما لرب العباد الذي خلقهم أحرارا، وعلى هذا كان سمت المؤمنين الصالحين الذين مدحهم الله تعالى بإحسانهم ورفقهم حتى بمن حاربوهم وقاتلوهم، ثم وقعوا أسارى بأيديهم، فأعطوهم من الطعام ما هم في حوجة إليه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) (سورة الإنسان8-9)، هكذا كان المسلمون الذين التزموا بدينهم وساروا على هديه، واما من خرج على شرعة الله، من أجل لعاعة من الدنيا يصيبها من مال الخواجات، فإن الإسلام منه براء.
· خواجة.....أوكي، سوداني.... بطال!
تقول بخيتة: (غادرنا الخرطوم وكانت قافلتنا تتكون من القنصل وصديق له وشاب سوداني وأنا. سافرنا على ظهر الجمال عدة أيام إلى أن وصلنا سواكن.هناك بلغنا الخبر المؤسف بأن مدينة الخرطوم قد سقطت قبل شهر في أيدي عصابة من القراصنة افسدت كل ما وجدت فيها وسرقت جميع العبيد. لو تخلفت في الخرطوم لأصبحت أنا ايضا واحدة من الأسرى في أيدي العصابة ... وماذا بعد ؟ ... يارب ، اني أشكرك على انك اخرجتني من الخرطوم قبل سقوطها وخلصتني من المحن الأخرى) انتهى النقل. هذا النقل يمثل جزء من الجو العام الذي يشعر به من يقرا هذه القصة، إذ يمجد الخواجة باعتباره رسول الرحمة والسلام والعاطفة النبيلة، فتقول بخيتة بأنها كانت (بخيتة بأفضل المعاني) بعد أن اشتراها القنصل الإيطالي، ولكن لم يقتصر الأمر عند تمجيد الخواجة، بل استطال إلى تشويه وتقبيح صورة الثوار السودانيين ، انصار الإمام المهدي فصاروا مجرد عصابة، تسرق العبيد! وهذا النهج من الدجل والطمس والإفك، لم يتوقف عند ذلك الزمان، إذ ما يزال مركز الدراسات السودانية بجامعة درم (جامعة بريطانية)، يعرض وثيقة وضعت على الطاولة الرئيسية للمكتبة، ليشاهدها الزوار تبرز بدورها محرر السودان الإمام المهدي باعتباره "فقيه يشرف على عقود بيع الرقيق"! (الكرنكي، صحيفة الأحداث السودانية، 1/4/2008) .
ونستميح القارئ الكريم أن نسترسل هنا قليلا، لنعرف الحقائق المجردة، ونتعرف على من كان يشجع تجارة الرقيق، ومن كان يتخذ السياسات التي تعزز هذه التجارة، وبالمقابل، من الذي عمل على تجفيف تجارة الرقيق، بسياسات تؤدي إلى انهائها.
من المعلوم أن الذي كان يحكم السودان عند فتح الخرطوم بواسطة جيش المهدي، هو غردون باشا، وكان ممن عينهم حكاما على السودان روملو جسي حاكما على كردفان، فرانك ليتون حاكما لبحر الغزال، وجيقلر مفتشا للبريد والبرق، ورودلف سلاطين حاكما لدارفور؛ وكما يبدو من هذه الأسماء، وغيرهم من أصحاب الجنسيات الأوربية التي تضم الفرنسي والنمساوي والإيطالي والألماني، فإن البلاد التي كانت محكومة بالاتراك قد دخلت مرحلة جديدة يصفها المؤرخ السوداني ضرار صالح ضرار بقوله :( وباستخدام هؤلاء الأوربيين دخل السودان مرحلة حرجة لأن هؤلاء الإداريين كانوا من المسيحيين الذين كانوا يهدفون إلى ابتلاع كل البلاد الإسلامية منذ الحروب الصليبية، وشعر السودانيون أن الدول المسيحية قد تألبت عليهم وأرسلت هؤلاء الإداريين لطعن اسلامهم، وكان لصرامة الإجراءات التي اتخذت ضدهم ما جعلهم يحقدون على الاتراك المصريين الذين جلبوا لهم الكفر الأوربي) (ضرار، تأريخ السودان الحديث، ص92). ولم يكن شعور السودانيين هذا متولدا من الفراغ، ولا وهما ولا توجسا، بل كانت أفعال واقوال هؤلاء الحكام الغربيين دليلا دامغا لصدق هذا الشعور، فمثلا يقول صمويل بيكر، المعروف برحلاته الاستكشافية لمنابع النيل: ( إن اهتمامي الرئيسي هوالعمل لمصلحة مصر وأن أويد وأعضد في ذات الوقت نفوذ بريطانيا. وكان دافع الجنرال غردون الذي خلفني هو نفس الدافع، وقد توفى وهو على امل أن تستولى بريطانيا على الخرطوم). (سيرجي سمرنوف، دولة المهدية من وجهة نظر مؤرخ سوفيتي، ص12). وقد يتحدث متحدث عن دور غردون باشا في محاربة الرقيق، وكيف أن إنهاء تجارة الرقيق كانت الهدف الأعظم له إبان حكمه للبلاد، ولكن يأتي السؤال: كيف كانت هذه الحرب ضد هذه التجارة، وما هي نتيجتها؟ نعود للمؤرخ السوداني ضرار صالح ضرار الذي يتحدث عن فترة غردون (.... وكان أسوأ ما يفعل غردون هو أنه بعد مصادرة قوافل الرقيق يتخذ من الرجال جنودا، أما النساء و الأطفال فكان لا يعرف ما يصنع بهم، وكان يهدي بعض الصبيان لبعض الرحالة الأوربيين. وكان يضطر أحيانا لبيع الأطفال والنساء خارج البلاد فاشترك هو نفسه في هذه التجارة المحرمة)! ( تأريخ السودان الحديث، ص 94).
لقد كثرت وتعددت زرائب وكبانيات تجارة الرقيق في غابات بحر الغزال، وإذا سألنا عن كبار تجار الرقيق، العاملين في هذه التجارة الشنيعة، لأتانا الجواب من المؤرخ نعوم شقير بـأنه: ( كان التجار الأوربيين هم الرواد الأوائل لتلك الزرائب والكبانيات وقد اكتظت بما اكتنزته داخلها من أطنان العاج الأبيض من سن الفيل، والعاج الأسود من الأجساد البشرية، وتضخمت أسماء أصحابها أمثال أمابيل ودي، بونو وملزاك، ثم تلاهم الأقباط والمصريون ومنهم غطاس الذي سميت بلدة جور غطاس باسمه وقناوي صاحب زريبة جور كيانقو، وأبوعموري صاحب مشروع الرق) (نقلا عن عصمت زلفو، الخليفة، ص31)، ويعلق المؤرخ الضليع زلفو قائلا: ( كان البحارة والجلابة، كما أطلق على التجار ومعاونيهم من قبائل السودان الشمالية، في ذيل القائمة. ولكنهم تصدروها بقدرة قادر حين توجهت نحوهم آلة الدعاية الأوربية ومن خلفها جمعية محاربة الرق، فنصب الأوربيون أنفسهم آلهة لتنظيم شئون العباد، ونقلهم إلى مشارف الحضارة المسيحية مهما كان الثمن، حتى لو كان بالإبادة.
ولم تكن هناك ذريعة أفضل لاستلاب القارة العذراء من دعوى محاربة الرق. ومحظوظ ذلك الذي وضع يده على تلك الذريعة فآخرون ممن لم تسعفهم الحيلة كشفوا عن وجه العدوان بلا مواربة، ولم يترددوا لحظة واحدة في تحطيم ممالك الزولو والأشانتي وحصد صفوف الإمبيز بنيران الرشاشات وهم يزودون عن أراضيهم أمام أطماع شركة سيسل رودس) (الخليفة ص32).
هذا هو موقف الخواجة الحقيقي من موضوع الرق، ولم يكن لبخيتة المسكينة أن تسرق من أهلها، وتباع بواسطة هؤلاء المجرمين، لو لم يكن هؤلاء المجرمين يعلمون مسبقا بالثمن الجزيل الذي سيتلقونه من الخواجة، المتمثل في هذه الحالة في القنصل الإيطالي والذي حسبت بخيتة بأنها كانت معه (بخيتة بأفضل المعاني)! مسكينة يابخيتة، فقد كنت صغيرة فسهل لهم أن يخدعوك!
عندما قامت الثورة المهدية (عصابة القراصنة)! وجدت أن الرق كان سائدا وضاربا بأطنابه في البلاد، وقد أبان الأستاذ محمد ابراهيم نقد – سكرتير الحزب الشيوعي السوداني- في كتابه: علاقات الرق في المجتمع السوداني، موقف المهدية من هذه الوضع، ونستشف من خلال الوثائق التي وردت في الكتاب، كما أوضحت الأستاذة رباح الصادق، أن ما أضفته المهدية على الوضع القائم كان تعاملا واقعيا، عادلا، لا تهور فيه ولا شطط، فقد قامت بمنع تصدير الرقيق للخارج، وتفادي فتح جبهة غزوات عسكرية لصيد الرقيق في الجنوب والجنوب الغربي، كما قامت بالتوثيق لحركة الرقيق ولتجارتهم بشكل صارم ودقيق وتركيز هذه التجارة في أمدرمان، ومنع الإتجار في خارجها من الأقاليم، وتعتبر هذه السياسات وغيرها من الإجراءات التي سلكتها الإدارة المهدية، إجراءات تتسم بالحنكة والواقعية، وقد تحدث نقد نفسه عن تأثير هذه الإجراءات فقال: ( كان منع الصادر يعني ضمنا الحد من الإتجار الداخلي في الرقيق) وأن هذا الإجراء ( مع إجراءات أخرى اقتضتها الأستراتيجية العسكرية للمهدية، مثل تجنيد الرقيق في جهادية المهدية، ووعد المهدي للأرقاء بالعتق إن التحقوا بالجهادية، ووعد الدولة المهدية للملاك بالتعويض عن أرقائهم المجندين في الجهادية – وحالت ظروف المهدية المالية عن الوفاء بالوعد- أسهمت مجتمعة في الحد من تجارة الرقيق بالحجم والمدى الذي كانت عليه في التركية) ( نقلا عن: رحاب الصادق، صحيفة أجراس الحرية السودانية، العدد 196)، ولا نريد أن نخوض أكثر في موقف المهدية من تجارة الرقيق ، ففي مقال الأستاذة رباح الكفاية، وقد أبانت بموضوعية وبالوثائق التأريخية محاربة المهدية الشجاعة لهذه التجارة.
بخيتة الإيطالية وبخيت الفرنسي!
تفتح قصة بخيتة المخدوعة والمسروقة إلى إيطاليا، ملف الأطفال المسروقين من دارفور وعبر تشاد إلى فرنسا، وهي قصة الفضيحة الشهيرة التي كانت قبل عدة أشهر، والتي أثبتت تورط الغرب – حامي حقوق الإنسان!- في واحدة من أفظع الجرائم الإنسانية: بيع الحر وأكل ثمنه، تفتح هذه القصة هذا الملف حتى نفتح أعيننا لما تقوم به المنظمات (الإنسانية) في بلادنا على طولها وعرضها، وخاصة في دارفور الحبيبة، حتى لا نسمع بعد سنوات ببخيت الفرنسي وزيارة البابا على شرف ذكراه!
*هامش: جاء في لسان العرب: البَخْتُ: الجَدُّ، ورجل بخيتٌ: ذو جَدٍّ؛ قال ابن دريد: ولا أَحسبها فصيحة والجَدُّ: البَخْتُ والحَِظْوَةُ. والجَدُّ: الحظ والرزق؛ يقال: فلان ذو جَدٍّ في كذا أَي ذو حظ.
محمد عمر البشيرmomomer77@gmail

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحبم